الحجامة واضطراب طيف التوحد: رأى الدين والعلم
تزايد الحديث فى السنوات الأخيرة بالمجتمعات العربية والإسلامية عن الحجامة بوصفها وسيلة علاجية "بديلة"، بل وأحيانًا "سحرية" لبعض الأمراض المعقدة.
وقد امتد هذا الاعتقاد ليشمل اضطرابات نمائية عصبية مثل اضطراب طيف التوحد، مما يطرح تساؤلات بالغة الأهمية: هل هناك حقًا علاقة بين الحجامة وتحسن حالات التوحد؟ وهل يمكن للحجامة أن تعالج اضطرابًا عضويًا معقدًا بهذا الشكل؟
يأتى هذا المقال من واقع مشاهدات شخصية، وتجارب يرويها بعض الأهالي على منصات التواصل الاجتماعي، مدفوعين بالأمل والإرهاق من المسارات العلاجية التقليدية الطويلة. ولكن، بين الأمل والمعلومة، وبين التجربة الشخصية والدليل العلمي، تظل الحقيقة العلمية ثابتة لا تعرف المجاملة.
في هذا المقال، يأخذنا الأستاذ الدكتور إيهاب رجاء إلى أصول الحجامة، ونتأمل موقعها في المنظور النبوي، ونفكك بعين العلم والموضوعية المزاعم المتداولة حول علاقتها بالتوحد، لنخلص في النهاية إلى موقف واضح: مبني على البراهين، ومحترم لمشاعر الأهالي، وحريص في الوقت ذاته على صحة الأطفال وكرامة عقولهم.
ماذا تعنى الحجامة؟
تُعرف الحجامة (Cupping Therapy) بأنها إحدى ممارسات الطب التكميلي القديمة التي تعتمد على وضع أكواب خاصة، غالبًا ما تكون زجاجية أو بلاستيكية، على الجلد لخلق شفط موضعي.
يهدف هذا الشفط إلى جذب الدم إلى سطح الجلد، ويعتقد ممارسوها أنها تساعد في تحسين تدفق الدم والطاقة (التي) في الجسم، مما يسهم في تخفيف الآلام وعلاج بعض الأمراض.
وقد أثارت الحجامة اهتمامًا واسعًا في الآونة الأخيرة، حتى باتت تُمارس في مختلف الحالات الصحية دون تمييز.
الحجامة في الإسلام: فهم أعمق لما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم
لعل من الضروري أن نبدأ بفهم رؤية النبي محمد صلى الله عليه وسلم لهذا الأمر. لقد استند الرسول الكريم في مواقفه إلى الحكمة والإرشاد الصحيح الذي يخدم الناس في حياتهم ودينهم.
عند التساؤل "ماذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم عن الحجامة؟" ، نجد أن هناك أحاديث تشير إلى ممارستها في بعض الحالات، مثل الصداع. ومع ذلك، فإن هذا لا يعني إطلاقًا أن الحجامة هي الحل لكل مشكلة صحية، أو أنها علاج سحري لجميع الأمراض.
لننظر إلى واقعة شهيرة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم تتعلق بامرأة كانت تعاني من نوبات صرع. هذه السيدة العفيفة، التي كانت تخشى أن تتكشف أثناء نوباتها، ذهبت إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وطلبت منه أن يدعو الله لها بالشفاء.
لكن رد النبي عليها كان عظيمًا في معناه، حيث قال لها: "إن شئتِ صبرتِ ولك الجنة". فما كان منها إلا أن اختارت الصبر، لكنها طلبت أن يدعو لها ألا تتكشف أثناء نوباتها، فاستجاب الله لدعائها.
ما نستنتجه من هذه الواقعة هو أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يوجهها إلى الحجامة كعلاج، رغم أن ذلك كان ممكنًا لو كان الأمر معلومًا في ذلك الوقت كوسيلة لعلاج الصرع.
بدلاً من ذلك، وجَّهها إلى الصبر ووعدها بالجنة. هذا يعطينا دلالة واضحة على أن الحجامة ليست الحل لكل مشكلة صحية، وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوجه الناس بناءً على الحقائق المتوفرة.
إضافة إلى ذلك، هناك مقولة شهيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: "أنتم أعلم بشؤون دنياكم". هذه المقولة تؤكد أن الأمور الدنيوية، بما في ذلك الأمور الطبية، تحتاج إلى معرفة علمية وتجارب مستندة إلى الأدلة والبراهين. وبالتالي، لا يمكن إقحام الحجامة في كل كبيرة وصغيرة دون أسس علمية واضحة.
الحجامة والتوحد: بين الملاحظة الشخصية والحقيقة العلمية
ما دفعني لطرح هذا الموضوع بشكل مكثف هو موقف حدث معي شخصيًا. في رمضان الماضي، وجدت إحدى الأمهات على أحد الجروبات الإلكترونية تتحدث عن تجربتها مع ابنها الذي يعاني من التوحد. قالت إنها أخذته إلى شخص يقوم بسحب حوالي 15 سم من دمه كل أسبوع،
وذكرت أنها لاحظت تحسنًا في حالته. هذا النوع من الحديث يثير استغرابي، لأن معظم الناس لا يدركون أن التوحد هو اضطراب وظيفي عضوي في المخ والخلايا العصبية.
يتساءل البعض: "هل يمكن علاج التوحد بالحجامة؟" ، أو "ما هي الأمراض التي تعالجها الحجامة؟". للإجابة على ذلك، لا يوجد أي دليل علمي يثبت أن فصد الدم أو استخراج جزء منه يؤدي إلى تحسين حالات التوحد أو غيره من الاضطرابات العصبية.
تلك الأم أكدت أنها لاحظت تحسنًا، لكننا لم نسمع شيئًا عن هذه الوسيلة العلاجية بعد مرور عام كامل من رمضان إلى رمضان. وهذا يعيدنا إلى نقطة مهمة: ليس كل ما يُقال أو يُسمع يجب أن يُطبق.
يجب أن نكون حذرين جدًا في التعامل مع أي وسيلة علاجية جديدة، وعلينا دائمًا البحث عن الأدلة العلمية قبل اعتمادها.
فوائد الحجامة: متى تكون مفيدة؟
بالتأكيد، للحجامة فوائد معروفة ومثبتة في بعض الحالات، ولكن ضمن إطار علمي ومنهجي. فقد تساهم الحجامة في تخفيف بعض الآلام العضلية، وتحسين الدورة الدموية في مواضع معينة.
"فوائد الحجامة للراس" قد تشمل تخفيف الصداع التوتري أو النصفي لبعض الأشخاص، كما يُذكر "فوائد الحجامة للرجال" و "فوائد الحجامة للنساء" في سياقات معينة تتعلق بتخفيف بعض الآلام المزمنة أو تحسين الدورة الدموية.
ومع ذلك، من المهم جدًا التمييز بين هذه الفوائد المحتملة وبين الادعاءات غير المدعومة علميًا. "كذبة الحجامة" تكمن في الاعتقاد بأنها علاج شامل لكل الأمراض، وهذا أمر لا يستند إلى أي أساس علمي أو شرعي.
شروط الحجامة ومحاذيرها
من الضروري التأكيد على أن ممارسة الحجامة تتطلب "شروط الحجامة" معينة، وأن هناك "محظورات بعد الحجامة" يجب الالتزام بها لضمان سلامة المريض. تتضمن هذه الشروط النظافة التامة، واستخدام أدوات معقمة، والقيام بها بواسطة متخصصين مدربين ومرخصين.
كما يجب مراعاة "وقت الحجامة"، حيث يفضلها البعض في أوقات معينة من الشهر أو اليوم، ولكن الأهم هو الحالة الصحية للشخص ومدى حاجته إليها.
لقد اتصل بي أحد الأبناء الأعزاء وسألني: "هل الحجامة تُفطر في نهار رمضان؟". ولأنني لست أهلًا للإفتاء، قمت بالبحث حول مبدأ الاحتجام أثناء الصيام.
وجدت أن الفقهاء اختلفوا في هذا الأمر، فبعضهم أجاز الحجامة إذا كان الدم المستخرج قليلًا، بينما اعتبرها آخرون مفسدة للصيام إذا كان الدم كثيرًا.
تعجبت من هذا السؤال، لأنني لم أكن أتوقع أن يصل اهتمام الناس بالحجامة إلى هذا الحد، حتى أنهم يسألون عن ممارستها في نهار رمضان. هذا يؤكد على مدى شيوع الحجامة وضرورة توضيح الحقائق المتعلقة بها.
دعوة للطب المبني على البراهين
لذلك، أوجه نصيحة للجميع: لا تلهثوا وراء كل ما تسمعونه. تأكدوا من جدوى أي وسيلة علاجية عن طريق الرجوع إلى أهل الذكر وأصحاب الاختصاص. قال الله تعالى: "فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون". هذه النصيحة ليست موجهة للأهالي فقط، بل أيضًا للأطباء والمعالجين.
علينا جميعًا أن نمارس الطب بناءً على الأدلة والبراهين العلمية، وليس بناءً على الخرافات أو الممارسات غير المثبتة علميًا.
إن صحة أطفالنا وأحبائنا أمانة في أعناقنا، ويجب أن نتعامل معها بمسؤولية وعلم.
فالمغالاة في استخدام الحجامة دون أسس علمية قد يؤدي إلى إهدار الوقت والمال، بل وقد يؤخر العلاج الحقيقي للأمراض التي تستدعي تدخلًا طبيًا متخصصًا.
الاسئلة الشائعة عن الحجامة
ماذا قال رسول الله عن الحجامة؟
أشار الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الحجامة كعلاج في بعض الحالات، مثل الصداع. وقد ذكرت بعض الأحاديث النبوية فضل الحجامة وأهميتها في الشفاء، لكنها لم توصِ بها لكل مرض أو حالة صحية.
كما أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يوجه سيدة تعاني من الصرع إلى الحجامة، بل وجهها إلى الصبر ووعدها بالجنة. ومقولته "أنتم أعلم بشؤون دنياكم" تؤكد على ضرورة الاستناد إلى المعرفة العلمية في الأمور الدنيوية والطبية.
ما هي الأمراض التي تعالجها الحجامة؟
لا يوجد دليل علمي قاطع يثبت أن الحجامة تعالج جميع الأمراض. يعتقد البعض أنها قد تساهم في تخفيف بعض الآلام العضلية والمفصلية، وتحسين الدورة الدموية، وتخفيف الصداع.
ومع ذلك، فإن الأمراض التي تعالجها الحجامة علميًا لا تشمل اضطرابات عضوية مثل التوحد. يجب الحذر من المبالغة في فوائد الحجامة.
ما هي فوائد الحجامة للرأس؟
تُذكر فوائد الحجامة للرأس بشكل خاص في سياق تخفيف بعض أنواع الصداع، مثل الصداع النصفي أو التوتري. قد تساعد في تخفيف الاحتقان وتحسين تدفق الدم في منطقة الرأس، مما قد يساهم في تخفيف الألم لدى بعض الأشخاص.
ماذا قال الرسول عن دم الحجامة؟
لم يذكر المصدر المتاح تحديدًا ماذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم عن "دم الحجامة" بحد ذاته، ولكن سُئل الرسول عن الحجامة في نهار رمضان، واختلف الفقهاء في حكمها، حيث اعتبرها البعض مفسدة للصيام إذا كان الدم كثيرًا.
ما هو وقت الحجامة؟
يتحدث بعض ممارسي الحجامة عن أوقات معينة مفضلة للحجامة، مثل أيام محددة من الشهر الهجري. ومع ذلك، فإن الأهم من "وقت الحجامة" هو ضرورة إجرائها بواسطة متخصصين مؤهلين وفي ظروف صحية سليمة.
فوائد الحجامة؟
تشمل "فوائد الحجامة" المحتملة تخفيف الآلام العضلية، تحسين الدورة الدموية، والمساعدة في التخلص من بعض السموم المتراكمة في الجسم وفقًا للمعتقدات الشعبية. ومع ذلك، يجب التأكيد على أن هذه الفوائد بحاجة إلى مزيد من الأبحاث العلمية الدقيقة لإثباتها بشكل قاطع.
ما فوائد الحجامة للرجال؟
تُذكر "فوائد الحجامة للرجال" بشكل عام في سياق تخفيف آلام الظهر والرقبة، وتشنجات العضلات، وتحسين الأداء البدني لبعض الرياضيين. كما يعتقد البعض أنها قد تساهم في تحسين الصحة العامة لديهم.
ما فوائد الحجامة للنساء؟
ترتبط "فوائد الحجامة للنساء" بتخفيف آلام الدورة الشهرية، وبعض المشاكل الهرمونية، وتخفيف آلام العضلات والمفاصل. ومع ذلك، لا توجد أدلة علمية كافية تدعم هذه الادعاءات بشكل واسع.
ما شروط الحجامة؟
تتضمن "شروط الحجامة" الضرورية لضمان السلامة والفعالية:
- أن يتم إجراؤها بواسطة شخص متخصص ومدرب ومرخص.
- استخدام أدوات معقمة ونظيفة تمامًا لمنع العدوى.
- تحديد المواضع الصحيحة للحجامة بناءً على حالة الشخص.
- عدم إجراء الحجامة في حالات معينة مثل فقر الدم الشديد، أو أمراض سيولة الدم، أو أثناء الحمل في بعض المواضع.
- الالتزام بتعليمات ما بعد الحجامة.
ما المحظورات بعد الحجامة؟
توجد "المحظورات بعد الحجامة" لضمان سلامة الشخص ومنع المضاعفات. قد تشمل هذه المحظورات تجنب الاستحمام الفوري، وتجنب الإجهاد البدني الشديد، وتجنب تناول بعض الأطعمة أو المشروبات لفترة معينة، والحرص على نظافة المنطقة التي تم عليها الحجامة. يجب أن يوضح ممارس الحجامة هذه التعليمات بعد الجلسة.
كيفية علاج اضطراب طيف التوحد بالحجامة؟"
لا يمكن علاج التوحد بالحجامة. التوحد هو اضطراب وظيفي عضوي في المخ والخلايا العصبية. لا يوجد أي دليل علمي يثبت أن فصد الدم أو استخراج جزء منه، كما يحدث في الحجامة، يؤدي إلى تحسين حالات التوحد أو غيره من الاضطرابات العصبية.
خاتمة
ليس الغرض من هذا المقال مهاجمة الحجامة كوسيلة طبية تقليدية، ولا التقليل من مشاعر الآباء والأمهات الذين يبحثون عن بصيص أمل في طريق طويل من المعاناة. ل
لكن حين يتعلق الأمر باضطراب عضوي معقد كاضطراب طيف التوحد، فإن اللجوء إلى ممارسات غير مدعومة علميًا قد يحمل في طياته ضررًا يفوق النفع، ويؤدي إلى تأخير التدخل الحقيقي الذي يحتاجه الطفل.
لقد وهبنا الله عقولًا نفكر بها، وعلَّمنا أن نميز بين الوهم والحقيقة، بين التجربة الفردية والدليل العلمي، وبين الاجتهاد الشخصي والممارسة الطبية القائمة على البراهين.
وأمانة العلم تقتضي أن نُحسن البيان، وأمانة المسؤولية تفرض علينا ألا نترك الأمل يقودنا إلى التعلق بما لا طائل منه.
إن أطفالنا أمانة، وعقولهم وجوانب نموهم تحتاج منا إلى وعي، وتعاطف، وعلم. ولن يكون الطب الإسلامي الأصيل مخالفًا للعلم، بل مؤيدًا له، حين يُفهم في سياقه الصحيح.
فلنعالج أبناءنا بما ثبت نفعه، ولندع ما لم يثبت حتى لا نكون سببًا في ضياع وقتٍ ثمين، أو تفاقم حالةٍ كان بالإمكان تحسينها.
نسأل الله الشفاء لكل مريض، والهداية لكل والدٍ حائر، والبركة في كل سعي صادق نحو الخير والعلم.
اقرأ أيضا: حقيقة علاج التوحد بالأوميجا 3