خواطر وأشعار د.إيهاب رجاء
بين الطب والوجدان، تنبض خواطر وأشعار الدكتور إيهاب رجاء، الطبيب والإنسان الذي اختار أن يترجم مشاعره وتجربته المهنية والإنسانية في الحياة إلى كلمات صادقة تُلامس القلوب.
في هذه الصفحة، تجد مزيجًا فريدًا من الشعر والخواطر المليئة بالحب، الألم، الأمل، والرسائل النبيلة، المستوحاة من واقع الأطفال، والأهالي، والمجتمع، وما يدور في أروقة الطب والضمير. اقرأ وتأمل، فهنا الحرف يحمل رسالة والنبض إنساني.
![]() |
دكتور إيهاب رجاء فى عيادته |
1- كن أنت البطل
نهارك أمل .. نهارك عمل
شمسه تقول لك
مفيش عندي كسل!
نهارك تملي
مع الآذان يصلي
ردد آدانه بعزم وأمل
بلاش تعيش بتبكي
وللأيام بتشكي
قاموسي مفهيشي
يأس، وملل
ماتشيلش هم بكرة !
وخلي الحزن ذكرى
مهما الصعاب دي مُرَّة
عيش الحلم فكرة
وكن أنت البطل
2- يا شمس !
يا شمس يا أم الجدايل دهب
شريطتك تلف الكون
وطيف جمالك عجب
دفئك دا صدر حنون
يابنت الأصول والنسب
جاي لك وانا المفتون
جاي لك بشوق مجنون
ضميني لصدرك يوم
من بعد الضنا والتعب
3- وحى البنت الشقية
هو دا التفاعل الإيجابي من الوالدين تجاه الشقاوة الحركية
بدلا من تقليعة عنده " فرط حركة " ، ونروح لدكاترة " الزفت النفسية "
يدمروا لنا حياة، ونفسية أولادنا بالأدوية " الزفت النفسية "
ياريت نبقي إيجابيين بعقلانية
ونشوف في أولادنا النعمة المخفية
فيها إيه لو نصبر شوية
هانجني الخير، واللا نضيع بالكلية
وعجبي علي كثير م الأسر المصرية
كلام من قلبي بجد علشانكم من وحي البنت الشقية!
4- إني أغرق أغرق أغرق
كنت في العيادة أشعر بإختناق
من كثرة الكذب، والخداع، والنصب، والتدليس
الذي يمارس من قبل الجميع
بما فيهم الآباء والأمهات
ذوي النفوس المريضة
“وليس كل الكلام يمكن أن يحكي"
لاأدري لماذا طاردتني كلمات الراحل عبد الحليم
" إني أغرق ... أغرق ... أغرق ! "
المعذب الغارق
5- دماغنا وجعنا !!!
يا أهل المعنى " من غير نقطة المغنى بتاعة يبرم التونسي "
دماغنا وجعنا
هو توحد، واللا سمات ؟!
واحد فيكو يقول لي توحد
والتاني يقول لي سمات
حيرتونا، وحزنتونا
خليتو المخ يلف معاكو بدل اللفة سبع لفات!
بدل الفرحة … طب حتى البسمة
خليتوا حياتنا دموع، وآهات
6- الشراب دا أستيك منه فيه!
اليوم للمرة الألف بعد الألف … واحد من ملائكة الأرض يذهب به أبويه إلى إحدى أكبر المشاهير المهيمنين على المشهد الهزلي البائس!
طفل عمره عامان، ونصف يتم تشخيصه توحد !!!
ويوصف له الدواء القاتل!
أي جريمة هذه ترتكب بحق الملائكة الأبرياء الذين ليس لهم حق الإعتراض على ما يفعل بهم عنوة جراء جبروت هؤلاء المتكبرين المغرورين بشهرتهم الزائفة!
إلى كل أب، وأم … أنتم مسئولون عن هذه الآمانة فلاتفرطوا فيها بهذه البساطة لمجرد أن يقال لكم إذهبوا به إلى جهبذ الجهابذة " إللي ماولدتهوش ولادة " !
مالكم كيف تحكمون ؟! …ألا تعقلون!
عارفين المقولة الشائعة " شر البلية مايضحك!"
الموقف ده خلاني أعود بالذاكرة إلي السبعينيات، أو الثمانينيات من القرن الماضي
حينما وقف أحد رواد الكوميديا الراقية في ذلك الجيل …جيل الفن الراقي الجميل
الفنان الراحل #سعيد_صالح يقول قولته الشهيرة فى مسرحية "هالو شلبى " :
" الشراب دا أستيك منه فيه! أشده كده علشان يلسعني !!!
هكذا تذهبون إليهم طالبين البركة، والشفاء منهم بلسعة من لسعادتهم التي
لاشفاء منها ولا أمل! … لله الأمر من قبل ومن بعد
ولا حول ولاقوة إلا بالله … لله الأمر وحده وإليه المشتكى
7- تاني تاني تاني !!!
راجعين للغلب تانى !
للمشاكل، والصعاب
للآهات، والعذاب
ياريت ياعيدنا فرحة
تسكن فى القلب تانى
وتبقى أحلى ذكرى
تقول لهمّ ِ بكره
هاروح، وهاجى تانى
8- الإيد ف الإيد
الإعاقة جرح، ووجع، وهم كبير …
مشوار مرير ف طريق طويل!
ليه تمشيه لوحدك؟!
وفي آيادي ممدودة لك …
وبتقول لك … دا الإيد ف الإيد تسندك
تمسح من على جبينك عرقك
وتشيل من عينيك دمعتك
تطبطب … تشيل عنك وجعك
تسقف لك يوم فرحك
تخلِّي الأمل يدقدق ف قلبك
وترسم على شفايفك بسمتك
9- كل دا كان ليه ؟!
إوعى اليأس ف يوم
يشيل من عينيك النوم
وتقضي نهارك لوم!
كل دا كان ليه؟!
مانا رحت ف يوم مشئوم
لطبيب مشهور معلوم
وقال لي إديله الدوا
وإياك تبطل يوم!
10- قبل كورونا، وبعد كورونا !
قبل كورونا
حيرتونا، وتوهتونا
وتركتونا، ولا علمتونا
نعيش حياتنا إزاي؟
زي بقية الناس!
خليتوا حياتنا جحيم!
وماعرفتونا
نطفي النار القايدة
في قلوبنا يا ناس؟!
ومابين نظرة، ومابين كلمة
خليتوا حياتنا ملامة
وشفقة ف عيون الناس!
عملتوا لنا فيها أساتذة، ودكاترة
على كل لون، ومقاس!
أحكي لمين؟!
واشكي لمين؟!
ما انا كل ما أجيلك أقول لك
تقول لي سيبك … سيبك
لا تفكر، ولا تحتاس
عندي الحل لوحدي ياصاحبي
دا أنا أشطر من كل الناس!
طب أديني أمارة، ونورني
علمني مهارة، ودربني
أهو جالنا كورونا، وبقيت محتاس!
وانتم يا دكاترة دنيتنا
شهرة، وشطارة من غير إحساس!
لفينا عليكم، وجينا لكم
نسألكم؟
راح نعمل إيه ف قضيتنا؟
خلينا عشانكم
الجيب مفتوح، والخد مداس!
وما خدنا منكم غير وصفة
بالسم الهاري تنحط ف كاس!
بقى دا اسمه كلام ؟!
فلستوني، وضيعتوني!
يا كل أهلي، وخلَّاني
ربي يخليكم دلوني؟
دا العمر بيجري
وأنا با اجري
ولا عادش ملام!
فاكرين الكذب شطارة!
كلكم ضحايا، وكلكم مضحوك عليكم
لفيتم، ورحتوا لهم برجليكم
لكن ياخسارة …
باعوكم
فاكرين الكذب شطارة ؟!
خانوا ضميرهم، وخانوكم
خلوا ولادكوا تجارة
وكمان يكسبوا بفلوسكم
خلوا حياتكم تتعسكم
وساعة الجد يفوتوكم!
11- جّربنا كتير !
ريسبيردال، وريسبيردون
سيكودال، وأبيكسيدون
جربنا كثير
ومش نافعين
جرينا كثير
ومش طايلين!
نحكي لمين؟!
ونشكي لمين؟!
ماتدلونا يا محترمين!
12- باحلم بيوم
باحلم بيوم يرجع فيه للناس وعيها
باحلم بيوم يمشي فيه كابوس …
ضيع لناس كثير حلمها!
يا توحد كداب
من كل باب داخل وسطنا
هافتح لك أوسعها باب
بس ياللا غور، وامشي من هنا
حيرت ناس، وتوهت ناس
ضيعت ناس، ودمرت ناس
خليت كابوسك يبدد حلمنا
يعيش معانا… واحد مننا
قاعد يمص ف دمنا!
قال إيه توحد، ولازم له كاس
دفعت فيه ألوف ياناس
وياريته فاد ؟!
لو حتى واحد مننا!
هو ماعادش في ياناس خلاص؟!
طيب هافتح لك أوسعها باب
يا توحد كداب
ياللا غور من وشنا
أخر المتمة !
كل يوم بيمر أتأكد أكثر من صدق إحساسي
توحد كذاب
ناس عايشين فى أوهام وسراب
عيال تايهين ضايعين
وأخر المتمة العمر لما يفوت ويجري
وأهالي تايهه
راحوا عيالها
والنَّاس دي مالها
باعوا القضية
وأخر المتمة مفيش حساب!
13- الغرفة المزعجة بين الموت والحياة!
لم تكد تمر بضعة دقائق من تسكين الألم، وغفوة قصيرة بعد إعطائي مسكناً مخدراً للألم، وبعد نجاح قسطرة القلب التداخلية العلاجية بغرس دعاماتين بشرايين القلب المنهكة المرهقة من عناء السنين الطوال! حتى وجدتني أستيقظ على تلك النداءات الثلاث من سيدة لم أرى وجهها في السرير الذي بجواري، ويفصل بيننا ستار معتم لايفصح عن من يقبع خلفه.
ياسيد … ياسيد … ياسيد … ماتنساش تفتح التليفزيون ساعة المسلسل … النهارده الحلقة الأخيرة، وعاوزاك تقول لي البطلة هاتعمل إيه مع حبيبها؟!
ياسيد … ياسيد … ياسيد يابحيري … إظهر ياسيد يابحيري! إنت فين ياسيد ؟! إبنك محتاج لك ياسيد! كان المنادي هذه المرة هو صوت أبي الراحل الحبيب، والذي كان يحلو له تقليد صوت، وأداء البطل في النداء على أبيه الراحل، وكان المسلسل هو الطريق الذي كان يذاع بعد نشرة أخبار الخامسة في البرنامج العام
وكان البطل هو الممثل القدير صلاح قابيل، ودور شبح الأب الذي يظهر، ويختفي الممثل القدير أيضاً محمد أباظة الذي كانت له بصمة صوتية مميزة في المسلسلات الإذاعية التي كنا نتابعها على مدار شهر كامل " ثلاثون حلقة "، وأبي ينادي في صباح اليوم التالي للحلقة ياسيد … إظهر ياسيد يابحيري منذ أكثر من نصف قرن خمسٍ وخمسين عاماً وأبي الراحل الحبيب يتقمص المنادي لينادي أباه الراحل بنفس حرارة الشوق، واللهفة على الغائب الذي لايرد النداء، ولايعود أبدًا.
ها قد قضى الجميع نحبهم، ومضوا بلاعودة، ورحل بعدهم والدي الحبيب منذ إثنين وثلاثين عامًا، وكأنه بالأمس القريب، ووجدتني أهتف بصوت داخلي لايسمعه سواي حرصًا على راحة جيراني في غرفة " العناية المركزة لمرضى قسطرة القلب.
ياسيد ياسيد أنا محتاج لك يا سيد! إظهر ولو لحظة لإبنك المشتاق ياسيد، ووجدت دموعي تنسال على وجنتي حارة تهديئ من إحساسي ببرودة الغرفة، فقد تركونا بغلالة طبية رقيقة تلامس الأجساد العارية الضعيفة بغير عازل يمنع تسرب البرودة التي قد تنذر في لحظة ما ببرودة الموت تتسلل مع خطوات ملك الموت!
حينما شعرت بسخونة الدموع الشحيحة على وجنتي، وعلى الوسادة تحت رأسي أدركت لحظتها انني لا أزال حياً، ولم ألحق بعد بركب الراحلين!
بينما السيدة تريز جارتي المباشرة على يمين سريري تنادي على زوجها الموقر السيد " سيد " وبينما أجراس أجهزة المونيتور تنعق طول الوقت بتلاحق سريع متعاقب من سرير إلى سرير في تلك الغرفة الباردة الكئيبة، يتلاحق على بصري شريط الذكريات بوجوه من دخلوا هذه الغرفة، ولم يخرجوا منها أبدًا، ولم يعودوا مثل الشبح القابع في قلب المسلسل القديم " سيد البحيري "
رأيت وجه أبي الحبيب مُقَلِدَ النداء العجيب بلا مجيب في اليوم الأخير قبل وفاته حينما ذهبت أودعه أنا وأمي، وقد انتفض جسده المسترخي - في إستسلام من ينتظر الموت بين لحظة، وأخرى حينما يأذن الخالق " يا أيها النفس المطمئنة إرجعي إلى ربك راضية مرضية "
ثلاثة إنتفاضات، وظهرت على قسمات وجهه تغيرات تكاد تنذر باللحظة الفارقة، وبالفعل توفي إلى رحمة الله في مساء ذلك اليوم المشهود. رأيت إحدى خالاتي وهي تتمتم بكلمات تنم عن غضبها على أصغر أبنائها فانفعلت إنفعالاً حادًا شديدًا أدى إلى نوبة إغماء وحين تركتها بضعة من الوقت لإداء مهمة ما، وعدت اليها لأفاجأ بسريرها خالٍ، وأبلغتني الممرضات " البقاء لله "
فقلت لهم على الفور أريد إلقاء النظرة الأخيرة فإذا بهم ببرود من ألف ذلك الموقف مرات تلو مرات إنزل إلى ثلاجة الموتى بالأسفل، ولم أستطع تحمل الصدمة فقد تحدثت اليها من ساعتين زمن فكيف أراها مسجاة في درج بارد داخل مايسمونه في المستشفيات " ثلاجة الموتى " حتى تتم جميع الإجراءات سابقة الخروج إلى المقبرة
وأطل وجه والدي مرة أخرى حينما أخرجوه من الثلاجة لتبدأ عملية الغسل، والتكفين أستعدادًا للدفن بعيدا في مدافن الأسرة بطريق الفيوم " الطريق مرة أخرى حيث لايجيب، ولايعود أبدا سيد إلى يوم القيامة!
ومرة أخري حين عالجت الموت حماتي "والدة زوجتي" ، وغرغرت، وانهارت زوجتي، فطلبت منها التماسك، والثبات حتى تستطيع تلقينها الشهادة، وركضت مسرعًا حتى لا أشاهد تلك اللحظة المؤلمة بالشهقات الأخيرة، ومع ذلك فقد عادت الحياة لحماتي العزيزة بعد التدليك المكثف للقلب، وإمدادها بالأكسجين، ولكنها ظلت حبيسة تلك الغرفة ثمانية أيام
ونحن بين الخوف، والرجاء حتى أتى أمر الله ولم تخرج من الغرفة إلا كسابقيها من الراحلين الذين لايلبون نداء العودة من الطريق المجهول!
وبينما السيدة تريز مستمرة في النداء الزاعق المستمر على السادة أعضاء فريق التمريض المحترمين الذين لم يضجروا لحظة من ندائاتها المتلاحقة الزاعقة خلف كل الأجراس الناعقة، بل كنت أنا شخصيا أتطوع بالنداء بدلاً منها حين لاتسعفها نبرة صوتها لتصل إليهم، وهم يتحدثون، ويتضاحكون، ويتصايحون بأصوات عالية
وكأنهم في واد آخر غير عابئين بآلام المرضي المقيدين بأسلاك أجهزة المونيتور كالأسرى في الميدان لايستطيعون حركة، ولا فرارًا ! إذا بها تصب الغضب على ذكر السيد زوجها الموقر "سيد" إخص عليك يا سيد مش كنت تريحني وتأخذ لي غرفة مستقلة لوحدي بدل الهم إللي انا فيه دلوقت …إففففففف … كده برضه ياسيد أهون عليك تسيبني كده ياسيد!
أسمعها تطلب من خلال المحمول أيوه يا سيد … البطلة عملت إيه ياسيد؟! إيه ماتت! إزاي؟! إنتحرت ؟! أهي ماتت، واستريحت م القرف إللي ف الدنيا، ياريتني أموت، واستريح زيها! بأقول لك إيه ياسيد ماتيجي تروحني من هنا قبل ماهم يروحوني باي خالص ياسيد!
بعد دقائق تأتيني البشارة حالتك مستقرة …الدكتور المعالج سمح لك بالخروج الليلة، وإذا بي أهتف باسمًا بركاتك يا سيد.
14- القراءة بالأنامل
شاهدت يومًا رجلاً كفيفًا في إحدى زياراتي لمكتب وكيل كلية العلاج الطبيعي لشئون خدمة المجتمع آنذاك - الأستاذ دكتور عادل نصير - والذي صار عميدًا للكلية فيما بعد، وحينما تعرفت على ذلك الضيف الكفيف كان بالصدفة في حوزتي نسخة من مجلة مكتوبة بطريقة برايل، ولا تسعفني الذاكرة حاليًا من الذي أهداها إلي، ربما حينما كنت عضوًا رئيسًا في اللجنة الطبية بأول مجلس قومي لشئون الإعاقة؟!
ولكني وجدتها فرصة سانحة لكي آخذ رأي الضيف في تلك التجربة الفريدة من نوعها، وحينما إلتقطها الضيف من يدي إنتابتني الدهشة الشديدة!
إذ وجدته يقرأ بأنامله بطلاقة، وسرعة عجيبة كل كلمة مكتوبة في المجلة، ورءوس جميع المواضيع، والقصص المكتوبة، ولأنني كنت قد قرأت النسخة المطبوعة العادية المناظرة لنسخة برايل فوجدت أن القارئ الكفيف لم تفته كلمة واحده.
وبينما تراقبه عيناي، وهو مستمر في القراءة أضاءت مخيلتي في نفس اللحظة الآيات الإفتتاحية لسورة " العلق " بِسْم الله الرحمن الرحيم، إقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الإنسان من علق، إقرأ وربك الأكرم، الذي علم بالقلم، علم الإنسان مالم يعلم ".
سبحان الله، سبحان الخلاق العظيم الذي علم الإنسان مالم يعلم فجعل في أنامل الكفيف عيونًا قارئة مبصرة تقرأ حروف برايل البارزة كما تقرأ العين المبصرة الحروف المطبوعة! إنها طلاقة القدرة الإلهية، والعدل المعجز - باللطف - بين خلقه شريطة حسن إتخاذ الأسباب، ومنها تحصيل العلم بالقراءة، والكتابة.
تداعت هذه الذكريات الكامنة في الذاكرة البعيدة منذ عام 2012م حينما أهداني مؤخرًا الدكتور وليد نادي الذي يشغل مسئول التخطيط والبرامج بالإدارة العامة للتمكين الثقافى لذوى الاحتياجات الخاصة بوزارة الثقافة مجلة قطر الندى للأطفال المكفوفين والتى يشغل مدير تحريرها.
وبما أنني أزعم بأني من المهتمين جدا بقضية الأطفال ذوي التوحد، وجدتني أفكر، وأتسائل كيف يمكننا تعليم القراءة باستخدام طريقة برايل للأطفال التى اقتضت حكمة الخالق أن يفقدوا نعمة البصر بالعين ؟! لكن العدل الرحيم منحهم نعمة البصيرة، ونعمة القراءة بالأنامل.
حينما تمتد أيادي الرحمة البشرية - بتوفيق من الله - وتبدأ في تعليم هذه الفئة - من الملائكة على الأرض - مبكرا كلما أمكن، وتيسر كلما ضاقت الفرصة على ذلك العدو اللدود المتربص "التوحد الحسي الناجم من فقدان حاسة البصر مبكرًا" من أن يتسلل بخبثه، وخسته الدنيئة إلى أدمغة هؤلاء الملائكة الأبرياء. وهكذا وجدتني أهتف بنبض قلبي " لو كان التوحد رجلاً لفقأت عينه فلايبصر إلى من يهاجم، ويدمر، ويضيع!
15- أطباء بلا ضمير
الكبير منهم قبل الصغير
يصفون أخبث العقاقير
يحيلون التوحد شرا مستطير
وجحيما مُسْتَعِرْ!
ودمعا من المآقي
كالدم حارا ينهمرْ
كم كتب من المآسي
سطورا تدين ضميرا مندثرْ!
كم جعل من قلوب الأمهات
قواريرا بلهيب الحزن تنفجرْ!
كم أفلس جيوب قومٍ
كانت بالأمس لِفَلَذَّاتِ الأكباد
عطاءً مستمرْ !
فيا ويح قلمٍ
يصف السم الزعاف داءً
بدلاً من تُرْياقٍ يُنْتَظَرْ
16- العيد فرحة بين الغياب والإغتراب !
الله أكبر …الله أكبر …الله أكبر … لاإله إلا الله
الله أكبر …الله أكبر ، ولله الحمد
خاطرة ، وتهنئة لأبنائي في بلاد الغربة والمهجر
أنشودة صباح العيد الجميلة التي نصدح بها من العيد إلى العيد، وتلك الأطفال ملائكة الأرض التي تمضي بخفة ورشاقة بين ملائكة السماء التي هبطت بإذن ربها لتهنيئ المصلين في صبيحة يوم الجائزة للفائزين بإتمام عبادات شهر رمضان شهر الصوم والبركات التي تتنزل من رب السموات والأرضين على عباده المتقين.
وبينما أنشودة التوحيد بالتكبير، والحمد تعانق أرجاء المسجد الذي نصلي فيه، تنطلق أقدام الأطفال الصغيرة لتلاحق الخطوات السريعة للوالد، والأشقاء الأكبر سنا للحصول على مكان يناسب الأسرة الصغيرة.
من بين هؤلاء التقطت عدسات كاميرا الإدراك الوجداني تلك الفراشة الرقيقة التي لايتجاوز عمرها العامين، والنصف وهي تدور بخفة، وتتفلت من رقابة، وقيود أشقائها المشفقين عليها من التيه بين جموع المصلين، وهي تنطلق بسعادة متحررة من تلك القيود ، وتشير بيديها الرقيقتين إلى المصلين لتحيتهم بإبتسامة ملائكية غاية في الرقة والجمال.
وبينما عيناي تلاحق تلك الفراشة الرقيقة في طريق العودة إلى المنزل بعد إنتهاء شعائر صلاة العيد إذا بسماعات الوجدان الداخلية تستدعي أغنية العيد الشهيرة التي تغنت بها في فترة جميلة من زمن البراءة، والعفوية "العيد فرحة" أجمل فرحة ياسلام …غنوا معايا، وقولوا العيد فرحة … أجمل فرحة … هيه هيه هيييييه.
بينما أترنم بما في جعبة ذاكرة السنين البعيدة إذا بي أجد نفسي أحلق في سموات البلاد البعيدة في الغربة، والمهجر في كل أنحاء المعمورة أبحث، وأتشوف حال أحفادي المنتشرين كأسراب الطيور المهاجرة في تلك البلاد.
مر بعقلي خاطر حزين! ترى هل يفرحون بصلاة العيد، ويستمتعون بما بعد صلاة العيد من ممارسة شعائرهم، وطقوسهم لذلك اليوم؟! أني لهم في غربتهم، وبعدهم عن بيت العائلة "البيت الكبير" أن يذهبوا إلى بيت جدو ليصافحوه، ويقبلوه، ويعانقوه بعد إستلام العيدية؟!، ويفعلوا نفس الشئ مع تيتة بعد تناولهم وجبة الكعك، والبتيفور، والبسكويت اللذيذ من بين أصابعها الكريمة الممتدة بكل حنو، وسخاء!
تحولت فرحتي الطفولية المتدفقة من قلب الطفل القابع في أعماقي إلى غصة مؤلمة في الحلق حيث سائلت نفسي هل يستمتعون كبقية أقرانهم بلحظات المرح، والسعادة، والفرحة بأشياء بسيطة كشراء البالونات، ولعب العيد، والحلوى ؟!
هل قاموسهم اللغوي الذي نبت وحيدًا في بلاد الغربة يعي كل هذه الكلمات، ومعانيها كما يعيها الأطفال الآخرون المناظرون لهم في العمر؟! هل يستطيع الطفل أن يكون جملة عاوز آكل كحك، وبسكوت، وأشرب عصير ؟! هل يستطيع أن يقول لوالديه هو أنا شكلي جميل وأنا لابس لبس العيد الجديد الحلو ده ؟ ممكن أروح المحل القريب أشتري لعب ، وحلويات من فلوس العيدية يابابا؟!
آااااااااه ياوجع قلبي المكتوم، ولهفتي على أحفادي الملائكة في الغربة، وهم يحتفلون بالعيد حسب ماهو متاح في تلك البلاد فقط بمشاهدة ڤيديوهات متنوعة بلغات غريبة على أسماعهم المتشوقة لسماع "العيد فرحة، وأجمل فرحة قولوا معايا وغنوا ".
هل هم يسعدون حقا بكل لحظة في العيد بدأً من التكبيرات، والصلاة ثم ممارسة اللعب، والمرح البريئ، وتبادل الكلمات التي تبعث البهجة في قلوبهم الخضراء النابضة بالحب، والجمال الطفولي الملائكي. والذي لم يتلوث بعد بكل قاذورات هذا العالم البغيض بالكراهية، والتقاتل من أجل السيطرة وبسط نفوذ الأقوياء فقط!
ورويدا رويدا وجدتني أدلف إلى بوابة البيت الذي أقطنه أبحث عن فراشة ألاحقها حتى أعانقها بشوق الجد الذي ينتظر اليوم عودة حفيدته من رحلتها ببلاد الغربة متمتما لها عبر أثير الكون " العيد فرحة …غنِّي معايا وقولي هيه هيه هييييه.
17- يسألونك عن الحال؟
وحين تقول لاتوحد، ولايحزنون
ترى أعينهم تفيض من الدمع
فلا تدري أهم فرحون؟!
أم هم من هول الصدمة محزونون؟!
فكم مرت عليهم سنوات طوال
وهم مخدوعون!
وكم تلاعب بمشاعرهم الجاهلون
والكاذبون، والنصابون
وكم باع لهم تجار الوهم الدجالون؟!
كم مرت عليهم ليال سواد ثقال
بلا قمر … بضيائه يستأنسون؟
ولايصدقون أيأتي الفجر يومًا؟
أم في الظلام الحالك سيمكثون؟!
يسألونك ماذا إذا يفعلون ؟!
ليت شعري يكتمل! ليت عمري يحتمل!
فألبي أحلامكم بكل ماتطلبون.
18- النداهة بنت الجنية
زمان، واحنا صغيرين سمعنا حدوتة
النداهة جنية القرية
أيوه هي بنت الجنيه
التي بتنادي من بعيد
في السكك الضلمة المؤذية
بتنادي بخباثة، وقال إيه برقة، وحنية !
آه منك إنت يابنت الجنيه
ومن يستجيب بكل سذاجة وغشومية
لندائها المخادع يذهب ولا يعود تاني
بعد ذلك أبدًا ولا ثانيه
الآن النداهة رجعت تاني
في كل شاشة إليكترونية
هاتلاقوها جوا مستخبية
بتنادي بأحلي أغنية
إوعوا تسيبوهم يروحوا نواحيها
وهم راجعين
بالمرة يْعَدُوا ع بتوع الأعصاب، والنفسية،
وبالمرة كمان … النفسية، والعصبية!
الكل بيعزف للنداهة، ويغني معاها
بيردد نفس غُنَاها
ويا ويلُه ُإللي يروح نواحيها
واللا يغني معاهم
راح يبقى نهاره كوبية، ولياليه عتمة سودا مْغَمِّيِّه
19- محمود العربى وأطباء السبوبة!
فقدت مصر هرمًا شامخًا من أهرام الصناعة، والتجارة شهبندر التجار الذي دخل بمنتجاته الملايين من بيوت المصريين، والذي بدأ رحلته، ومشواره في الستينيات بإنتاج مراوح توشيبا العربي، ومن بعدها فتح الله له أبواب السماء لأنه، ونحسبه على خير دق أبواب السماء مستأذنًا أن يبدأ تجارته مع الله أولاً قبل أن تكون مع عباده
ولهذا فتح الله له الخير، والقبول في الأرض من أوسع الأبواب ألا هو حب، وثقة الناس، وصار شعار العربي رمزًا للخير، والرفاهية المنزلية بما يناسب كل المستويات، ووعد فأوفى لله وعده باحتواء، وتشغيل الشباب وفتح أبواب الرزق، والرعاية الكاملة لهم، ولأسرهم
وهكذا استمرت رحلة العطاء بلا حدود حتى ودعه مئات الآلاف إلى مثواه الآخير داعين الله له بحسن القبول، والدرجات العلا من الفردوس بإذن الله. أين السادة كبار… الأطباء العمالقة أصحاب الأرصدة بالملايين - باستثناء العالم الكبير دكتور مجدي يعقوب النموذج الفريد في مجال جراحة القلوب، وبالذات قلوب الملايين من الأطفال ملائكة الأرض.
لماذا لانرى صرحًا طبيًا عملاقًا يحتوي المبدعين من شباب أطباء الأطفال، والحاصلين على الدرجات العلمية الراقية في طب الأطفال، وبخاصة جدًا مجال مخ وأعصاب الأطفال لإنقاذ ملايين الأطفال من جشع، ودجل التجار؟!.
فى الختام:
ليست هذه مجرد كلمات، بل شهادات حية على تجربة إنسان يرى في كل طفل رسالة، وفي كل موقف خاطرة، وفي كل دمعة بيتًا من الشعر. نأمل أن تترك فيك هذه الخواطر أثرًا طيبًا، وتلهمك لأن ترى العالم بعيون أكثر حنانًا ووعيًا.