أطفال الحقن المجهرى قصص واقعية صادمة من عيادة الدكتور إيهاب رجاء؟!

 



بالأمس زارني زوجين من الذين لم يتوقفا في الحصول على الحمل التلقائي الطبيعي بعد الزواج فطرقا باب الحقن المجهري، وتم لهما ما أرادا -بعد إرادةالله -  وانتهت رحلة الحمل بسلام، ولكن غالبا لاتأتي الرياح بما تشتهي السفن!

فقد رزقا بتوأم تطلبت حالتهما دخول الحضانة لعشرة أيام، ثم خرجا بسلام، وهكذا مضت الأيام، والوالدان يراقبان تطور حالة التوأم يوم بعد يوم، وشهر بعد شهر إلى أن تيقنا من المولود الذكر لايسمع بعد أن أتم عامه الأول، ولم يكن قد اكتسب المهارات الحركية الأولية فسعيا إلى التأهيل الحركي بالعلاج الطبيعي.

وفي نفس المسار قاما بزيارة أطباء السمعيات للوقوف على حالة  حاسة السمع، وبعد التأكد من وجود إعاقة سمعية - رغم التأكيد لهما من قبل أستاذ السمعيات -بأن العصب السمعي سليم، وتضاربت الأقوال مابين ناصح بالسعي في عملية زراعة القوقعة، وما بين محذر من عدم جدواها في مثل حالة ذلك الطفل المسكين.

في نهاية الأمر استسلم الوالدان، ورضخا لإتمام عملية زراعة القوقعة، ولكن بعد ذلك كانت المفاجآة -غير السارة - بأن الطفل شديد العصبية، والتهيج من ملمس الجزء الخارجي من الجهاز على فروة الرأس، ويقوم بنزعه باستمرار، وهكذا لم يستفيد الطفل من جهاز القوقعة، ولم تتطور حاسة السمع لديه مطلقا بعد عامين، أو أكثر من زراعة القوقعة!

بعد معاناة طويلة من تضارب التشخيصات حضر الوالدان بتقرير تشخيصي بأن حالة الطفل هي حالة متلازمة وراثية نادرة الانتشار، وبمراجعة السمات الكبرى لهذه المتلازمة وجدت عدم تطابق -إكلينيكيا - بين الأوصاف المذكورة في تقرير التحليل الجيني، وبين الواقع لحالة الطفل إكلينيكيا!

 بل زاد على ذلك إكتشافي آن لدى الطفل إعاقة بصرية واضحة مما أصاب الوالدين بصدمة، وأسقط في أيديهما حيث لم يبلغهما أي من الأطباء السابقين بهذه الإعاقة الإضافية من ضعف البصر الشديد حيث يبدو أن الطفل لايتابع بصريا أيا من الموجودين بغرفة الكشف، بل استنفذوا جميعا كل محاولات الإقناع بأن الطفل يرى حتى في الظلام، وإنكار كل ما أقوله لهم من وجود تلك الإعاقة!

في نهاية الأمر كان لم يكن أمامي بعد الفحص الشامل للطفل، والإطلاع على صور الرنين المغناطيسي الذي أظهر إصابة بالغة في طبقة القشرة الرمادية بالمخ، وقصور شديد في اكتمال نضج ألياف - الوصلات العصبية - المادة البيضاء أيضا -إلا أصارح السادة الوالدين أن الحالة الراهنة للطفل هي إعاقة رباعية مركبة  " ذهنية- حركيّة - سمعبصرية "

 للأسف بعد أن تخطى الطفل المسكين عمر الأربع سنوات، ولم يكتسب بعد أي مهارة من مهارات الطفولة المبكرة مقارنة بشقيقته التوأم!

وأخيرا اقتنع الوالدان وأبلغتهما بحجم المشكلة لأن هذا الطفل يحتاج إلى تأهيل شامل من فريق عمل من المتخصصين في مجال تأهيل ذوي الإعاقات المركبة الصعبة التي ليس من اليسير لأي شخص غير متخصص من التعامل الاحترافي معها

ولا يوجد بمصر غير مؤسسة وحيدة يعمل بها فريق من تلك الكوادر النادرة المدربة تدريبا عاليا راقيا.

للأسف الشديد لا تملك تلك الأسرة المنكوبة إلا أن تعيد ترتيب أولوياتها، وأوراقها للإنتقال إلى القاهرة لتكون بالقرب من تلك المؤسسة للحصول على خدمات التأهيل الشامل المكثف لتعويض كل مافات خلال الأربع سنوات الماضية من عمر الطفل بعد المرحلة الأولى والثانية للوالدين من نجاح الحمل الى ولادة التوأم.

لمزيد من إلقاء الضوء قصة تلك الأم التي رزقت - بعد ثمان سنوات من الحرمان، والاشتياق إلى الأمومة - بثلاث توائم بنات إحداهن تأخر ذهني بسيط مع تأخر مهارات اللغة التعبيرية، والثانية تأخر شامل، والثالثة شلل دماغي رباعي مكتمل.

حالة أخرى لسيدة رزقت بعد سبعة عشر سنة من المحاولات المضنية، وبعد أن تقدم سنها رزقت بمولودين توأم أحدهما مصاب بقصور ذهني مقترن بالتوحد متوسط الشدة، وغير ناطق، واضطر زوجها إلى الانتقال بمفرده إلى محافظة أخرى سعيا إلى مزيد من الرزق ليتمكن من تغطية نفقات تأهيل هذا الطفل، وعلى الأم ذات السن المتقدم أن تتحمل كل المشاكل اليومية وحدها.

حالة أخرى لوالدين نجحا في الحصول على مولود واحد من الأجنة المتعددة التي تم تحضيرها، ولكن بعد مضي السنوات الطوال فوجئا به معاقا ذهنيا مقترنا بأعراض التوحد مع العغضب، والعنف الشديد، ويقوم بضربهما -والله حدث بالفعل أمامي - بعد أن تقدم عمرهما، وضعفت قدرتهما معا على مواجهة تقلباته المزاجية وتوجيه طاقاته الغضبية لهما حينما يتجزا عن فهمه، وتلبية طلباته فورا !

من هذا المنطلق، وبعد أن تجمعت لدي عشرات، إن لم تكن مئات القصص المؤلمة، والنهايات الحزينة لمن قُدِّرَ عليهم هذا الابتلاء.

أطلق مبادرة الدعوة إلى إيجاد كوادر من شباب أطباء الأطفال، والوراثة، والمخ وأعصاب الأطفال إلى تبني قيام تخصص دقيق لمتابعة، ورعاية مواليد الحقن المجهري منذ الميلاد سعيا إلى الإكتشاف المبكر لهذه المضاعفات غير المتوقعة، وغير المحسوبة عند ولادة هؤلاء الرضع " تخصص حديثي الولادة ذوي الحقن المجهري " وذلك سعيا إلى إستثارة وعي الوالدين إلى هذه المشاكل، والمضاعفات المُحتملة، وسبل الوقاية من حدوثها قدر الإمكان، أو الحد من تداعياتها على جودة حياة الأسر المعنية.

google-playkhamsatmostaqltradent