قصة سيدة سودانية مع الدكتور إيهاب: رحلة أمل من الخرطوم إلى الصعيد
في عالم الطب، تتجاوز قصص العناية بالمرضى مجرد التشخيص والعلاج، لتصبح حكايات إنسانية تُظهر أسمى معاني العطاء والأمل والتفاني. ومن بين هذه القصص الملهمة، تبرز يومية جديدة من عيادة الأستاذ الدكتور إيهاب رجاء، أستاذ الوراثة الإكلينيكية واستشاري المخ والأعصاب للأطفال بالمركز القومي للبحوث، والتي تروي حكاية سيدة سودانية عظيمة ومعلمة متطوعة، قطعت آلاف الكيلومترات بحثاً عن بصيص أمل لطفل بريء.
الدكتور إيهاب رجاء: جسر الأمل لأطفال الصعيد
منذ عام 2016، اتخذ الأستاذ الدكتور إيهاب رجاء قراراً نبيلاً بالتخفيف عن مرضاه في صعيد مصر. فبدلاً من تكبيدهم مشقة السفر والحجز الصعب في عيادته بالقاهرة، قرر أن يذهب إليهم.
مرتين في العام، يشد الرحال إلى محافظة سوهاج الجميلة، وتحديداً إلى أكاديمية خواطر، أحد مشروعات أكاديمية الطفل العبقري. هناك، يلتقي بأطفاله القادمين من شتى أنحاء محافظات الصعيد، من المنيا إلى أسوان، ومن البحر الأحمر إلى الوادي الجديد.
هذه المبادرة الإنسانية من الدكتور إيهاب تستحق كل الشكر والتقدير، فهي ترفع جزءاً كبيراً من العبء عن كاهل الأسر التي تعاني أصلاً من تحديات صحة أطفالها، وتجسد أسمى معاني العطاء الطبي.
رحلة استثنائية: من الخرطوم إلى سوهاج عبر الصحراء
الغريب في هذه اليومية، والملهم في آن واحد، هو قدوم سيدة جميلة متطوعة، تحملت المشقة والتعب، وسافرت مع طفل ووالده كبديل عن الأم التي لم تتمكن من السفر لرعاية باقي أطفالها. رحلة برية عبر الحدود تجاوزت 1700 كيلومتر، بدأت من العاصمة السودانية الشقيقة الخرطوم، متجهة إلى سوهاج المصرية، فقط لعرض الطفل على الدكتور إيهاب رجاء.
هذه السيدة، التي وصفها الدكتور إيهاب بـ"المعلمة التي تطوعت في سبيل الله من أجل هذا الطفل البريء"، تجسد أروع صور الإيثار والتفاني.
فما كان لها إلا كل التقدير والاحترام. إخلاص نيتها لله تعالى كان مفتاحاً لتيسير رحلتها، حيث "سخر لها كل مخلوقاته لتيسير هذه الرحلة"، وتجلى ذلك في كرم شعب سوهاج الطيب، الذي تكفل بإقامتها بالكامل خلال تواجدها في المحافظة.
شعب سوهاج: كرم الضيافة وروح العطاء
إن كرم شعب سوهاج ليس بغريب. فلطالما عرف المصريون، وخاصة أهل الصعيد، بكرمهم الفطري وطيبتهم الأصيلة. استضافتهم لهذه السيدة والمعلمة المتطوعة هي دليل على تكاتف المجتمع المصري في الشدائد، وتقديم يد العون لمن يحتاج دون تردد أو انتظار مقابل. هذا الدعم اللامحدود من أهل سوهاج لم يكن فقط تسهيلاً لرحلة العلاج، بل كان بمثابة بلسم يخفف من عناء السفر والقلق على الطفل.
رسالة شكر وعرفان: إنسانية تتجاوز الحدود
يختتم الدكتور إيهاب يوميته بكلمات الشكر والتقدير التي تتجاوز مجرد المجاملة: "كل الشكر والتقدير لهذه السيدة العظيمة وكل الشكر والتقدير لشعب سوهاج الطيب الكريم. والشكر والتقدير لكل من ساعد هذه العائلة السودانية بدون ذكر أسمائهم ليكون أجرهم من الله عز وجل."
هذه القصة ليست مجرد حادثة عابرة في عيادة طبيب، بل هي تذكير بأهمية التعاون الإنساني، وقوة الإيمان، وكرم الضيافة. إنها دليل على أن الإنسانية لا تعرف حدوداً، وأن العطاء في سبيل الله يجد طريقه إلى القلوب الطيبة، وييسر الدروب الصعبة.
هي رسالة أمل تؤكد أن الخير لا يزال موجوداً في النفوس، وأن هناك من يبذلون الجهد والمال والوقت من أجل التخفيف عن معاناة الآخرين، طلباً للأجر من الله وحده.
دروس مستخلصة
دور الأطباء كرسل أمل: مبادرة الدكتور إيهاب رجاء بزيارة سوهاج تؤكد على أهمية دور الطبيب ليس فقط كمعالج، بل كداعم نفسي واجتماعي يدرك التحديات التي يواجهها المرضى وأسرهم.
التطوع والعطاء: قصة السيدة المعلمة المتطوعة تبرز قوة التطوع والإيثار في مجتمعاتنا، وكيف يمكن لعمل فردي أن يصنع فارقاً كبيراً.
التكاتف المجتمعي: القصة تبرهن على أن تكاتف أفراد المجتمع وتقديم الدعم للغريب يمكن أن يغير مسار حياة أسر بأكملها.
إن هذه اليومية من عيادة الدكتور إيهاب رجاء ليست مجرد قصة، بل هي دعوة للتأمل في قيمنا الإنسانية، ولتقدير كل يد مدت للمساعدة، وكل قلب سعى للخير في زمن قلّ فيه العطاء.