مذكرات أم: رحلة الأمل والتحدي مع طفل توحد
أخر تحديث 16 يونيو 2025
طالما كانت رحلة الأمومة مليئة بالمشاعر المتناقضة، من الفرح الغامر إلى القلق العميق. لكن عندما يتعلق الأمر بتربية طفل من ذوي الاحتياجات الخاصة، تتضاعف التحديات وتزداد الحاجة إلى الصبر، الفهم، والإيمان. "مذكرات أم" ليست مجرد سرد لتجربة شخصية، بل هي شهادة حية على قوة الأمومة، والتصميم الذي لا يلين في مواجهة الصعاب.
هذا المقال يأخذنا في رحلة مع أم لطفل مصاب بالتوحد، من لحظة الملاحظات الأولى التي أثارت القلق، مرورًا بالتشخيص الصعب، وصولًا إلى الإنجازات الصغيرة والكبيرة التي حققتها هذه الأم بفضل إصرارها ويقينها، مقدمةً بصيص أمل لكل أسرة تمر بتجربة مماثلة.
البداية: ملاحظات مبكرة وتحديات غير متوقعة
السلام عليكم، أنا مدام سونيا، أم لطفل من ذوي التوحد "مؤمن" من مركز طنطا محافظة الغربية. حين ولد مؤمن، كان يبدو طبيعيًا بالنسبة لي ولمن حولي. بعد مرور الشهور الأولى، لاحظت أنه هادئ بشكل مبالغ فيه، فكانوا من حولي يخبرونني أنه منتظم في طعامه وبالتالي ينام بما يكفي، ولذلك طبيعي أن يكون هادئًا. لكنني لم أنتبه إلى أنه لا يتفاعل مع الأشخاص والأشياء أو يرى شيئًا يحدث حوله.
كان ابني طفلي الأول، فصدقت ما يُقال لي من الأمهات الأكثر خبرة. استمر الحال حتى تجاوز العام وبدأ يحاول المشي، ثم تجاوز العامين، وأصبح يمشي بإتقان ويقوم بالكثير من الحركة بإتقان. ثم تحولت الحياة إلى حركة لا تنقطع، حتى إني كنت أشعر أنه لا يريد أن ينام حتى لا يتوقف عن الحركة.
أصبح الأمر شاقًا، حتى إني حين كنت أضطر أن أتركه بمفرده ولا يوجد في البيت غيري لإعداد طعام أو ما شابه، كنت أضطر أحيانًا لربطه من وسطه بحزام وأثبته من الجهة الأخرى بأحد قطع الأثاث الثقيلة.
هذا كان حتى لا يستطيع الحركة، لأني حين حاولت بعض المرات أن أتركه حرًا، كانت تحدث كوارث. كنت أخاف عليه وأحزن جدًا لذلك، لكن كنت مضطرة لأحافظ عليه، بالإضافة لأني أعاني من إعاقة حركية ستمنعني من الإسراع لنجدته إذا تعرض لخطر ولن أتمكن من حمله إذا تطلب الأمر. أنا أحاول فقط أن أوصل لكم الصورة، في البداية كانت سيئة جدًا.
رحلة التشخيص والبحث عن الأمل
بعد فرط الحركة الذي أصبح سمة أساسية لابني، صاحب ذلك عدم النطق ولا حتى بأي أصوات لحروف، مع عدم الاستجابة لمن حوله والتفاعل مع أي شيء أو التعبير عن أي إحساس أو احتياج، رغم أننا نقيم كأسرة (زوجي وابني وأنا) مع والدتي.
كان حول طفلي أناس مختلفون، لكنه لم يكن يستجب لأي منا. عندها، أخبرتني أمي أن بالولد خطبًا ما ولابد من عرضه على طبيب. اخترنا طبيبًا خاصًا بمشكلات التخاطب في مدينتنا، حيث لم يكن يوجد غيره. وكان أول تشخيص له "توحد متوسط أقرب للشديد". بعد جولة بين أطباء المدينة المتاحين بين تخصص نفسية وعصبية أطفال، ومخ وأعصاب، وتخاطب، وكانوا ثلاثة فقط.
ثم انتقلنا إلى دكتور إيهاب رجاء في القاهرة، حيث لم نحقق في مدينتنا الصغيرة أي إنجاز يُذكر. لكني أذكر بالخير أول أخصائي تقابلت معه وأخبرته أن الولد لا يستجب لأي محاولة للتدريب وكل محاولاتي لجذبه لما أفعل باءت بالفشل.
فأخبرني أن أجلس في مكان يمكن لطفلي رؤيتي فيه، وأن أستخدم الأدوات التي أرغب في تدريبه بواسطتها وأبدأ أنا بالتدريب الذي أريده أن يفعله وأكرر ذلك يوميًا.
كنت أخبره أنه يمر بي ولا ينظر إلي، فأخبرني أن أستمر رغم ذلك ثم أترك أدوات التدريب في مكان يصل إليه طفلي ثم أراقبه حين يكون بمفرده. فوجدته بعد بضعة أيام يحاول أن يفعل ما كنت أفعله، فيخطئ في البعض ويصيب في البعض. ومن هنا بدأ انكسار أول جزء من قوقعة التوحد التي أحاطت بابني.
خطوات صغيرة وإنجازات عظيمة: بداية الانفتاح
بدأت كلما أردت أن آخذه لشيء جديد أمارسه أمامه دون دعوة للمشاركة. ثم أصبحنا نتشارك الأنشطة، ويتشاركها مع أخصائييه في المركز. حتى نصحني دكتور إيهاب أن أضعه في حضانة للأطفال النورمال (الطبيعيين)، ولكن شريطة أن يكون يعمل بها أخصائيون يستطيعون أن يقوموا بأنشطة تناسبه، أي أنها كحضانة دمج حتى يجمعه جزء من الوقت والنشاط بأطفال نورمال وجزء آخر خاص به وبحالته المتفردة.
أذكر أنني منذ تشخيص مؤمن في سن عامين ونصف حتى سن ست سنوات ونصف، انتقلت بين ثلاثة عشر مركزًا وحضانة. كلما استشعرت أن المكان لا يقدم لطفلي ما يحتاج إليه، أبحث عن غيره. فأكون بذلك قد مررت بكل الأماكن التي تقبل أطفالًا مثل ابني حتى أبحث عن أفضل ما نستطيع أن نقدمه له.
وبعد بقائه حوالي عامين في حضانة نورمال وبالتكامل بين الحضانة والبيت، أصبح يتحكم في عملية الإخراج ويأكل كل أنواع الطعام ويستطيع أن يكتب لغة عربية وإنجليزية ويتلو بعض القرآن ويستطيع العد وحل بعض مسائل الجمع البسيطة. وكنت قد ألحقته بمدرسة حكومية وفق نظام الدمج.
محطات تحول رئيسية: التغذية، النظافة، والتعلم
أنا أعرف أنني قفزت عن كذا حاجة في غاية الأهمية في حياة كل طفل ذو توحد تشكل عقبات كبيرة، وقلت: "احنا حققنا فيها نتيجة شكلها إيه بس ما قلتش إزاي وصلنا لكده؟" وهي التغذية والاستغناء عن الحفاض وبداية تعلم القراءة والكتابة.
بالنسبة للأكل: في الحقيقة، إن وجود ابني في حضانة للأطفال النورمال بحسب نصيحة دكتور إيهاب أفاد كثيرًا في الموضوع. هذا لأنه خرج من نمطية أكله بتقليده لزملائه في الحضانة.
أذكر كل القائمين عليها دائمًا بالخير، لأنهم كانوا خير معين في مرحلة هامة من حياة ابني. في يوم طلبوا أن أرسل مكونات طبق سلطة مع ابني وطبق يكون ابني معتادًا على الأكل فيه. وهناك عملوا مع الأولاد أطباق سلطة، وابني أكلها بمنتهى السهولة معاهم بالتقليد لأصحابه، وبعد كده أكلها في البيت. وده شجعني إني أنطلق وكل كام يوم أعرض عليه صنف جديد وأبعد كل الأكل عنه عدا الصنف المختار.
كان بعد معافرة ورفض يأكلها. بس طبعًا ممنوع مع اتباع النظام ده كل الأكل المصنع، وبرضه كان بالاتفاق مع الحضانة دربناه على البعد عن الحلويات لأن الحضانة كانت ترفض دخول أي حلويات أو أكل مصنع مع الأولاد.
فبكدة أصبح المحيط حواليه خاليًا من السموم دي، ومع المنع في البيت كمان انتصرنا بعد كام شهر وقدرنا نمنع كل الحاجات دي بعد معاناة طبعًا لا داعي للخوض في ذكرها. ومنع هذه السموم الغذائية هو الخطوة الأولى عشان أولادنا يقبلوا أكل البيت ويقبلوا تنوع الأكل.
أما التخلي عن الحفاض: فبرضه عملنا له برنامج بالمشاركة مع الحضانة وعندنا في البيت. بس لازم تعرفوا إن التدريب استغرق عامًا كاملًا حتى استطعنا التخلي عن الحفاض. ولم ينجُ الأمر من بعض الانتكاسات بعد ذلك على مدار عام آخر حتى انتظم الأمر أخيرًا بعد أن تجاوز الست سنوات.
والتدريب بالطريقة المعتادة التي تعرفها كل الأمهات لم يزد عليها سوى أمر واحد وهو أقماع ملينة كان ابني يأخذها يوميًا لمدة أسبوع بعد وجبة الغداء، ثم يوم ويوم لمدة أسبوع، ثم يوم ويومين لمدة أسبوع، ثم مرتين في الأسبوع، ثم استغنينا عنها.
وبعد أخذ القمع أحاول إبقائه معي لأطول وقت ممكن حتى لا يذهب إلى التواليت وأبقيه جالسًا أطول وقت ممكن بحيث أصل إلى 10 أو 15 دقيقة ثم نسرع أنا وهو إلى التواليت وأشجعه على التخلص من "الإستول" في التواليت ثم أقيم احتفالًا في البيت إذا نجح في إتمام المهمة.
وبالتكرار أصبح الأمر معتادًا وهينًا، ومع المداومة والمتابعة ومواجهة أي لخبطة تحصل بحل سريع، الدنيا بتمشي.
بالنسبة للكتابة والقراءة: الحقيقة في الحضانة اقترحوا يعلموه بالطريقة المعتادة، بدءًا بالحروف والأرقام ثم الكلمات والعد ثم الجمل وبعض العمليات الحسابية البسيطة جدًا.
وكنت متخوفة ألا تصلح هذه الطريقة له، لكنها أثمرت وتطور مستواه لكن ببطء. أما القرآن، فقد وجدت محبته في قلب طفلي بغير مجهود من جانب أي أحد. كان مجرد سماعه للتلاوة يصبح مأخوذًا ويهدأ تمامًا ويظل في موضعه لا يغادره بشكل لم ينجح أي شيء قبل ذلك في تحقيقه معه. طبعًا، اليوميات مع ابني كان فيها مواقف صعبة تصل أحيانًا إلى حد الكوارث.
تحديات غير متوقعة: دروس من المواقف الصعبة
أذكر أيام انقطاع الكهرباء المستمر في مصر أني كنت أحتفظ بشمع وكبريت في درج المكتبة لأن الكشاف لم يكن يجد وقت كافٍ للشحن لطول فترات انقطاع الكهرباء، فكان الشمع بديلًا حتميًا. ورغم أني أغلقت الدرج بإحكام وتركت ابني 5 دقائق فقط للوضوء وكان عمره 3 سنوات ونصف، وجدته حين عدت قد أشعل أعواد الكبريت واشتعلت محتويات الدرج، ووجدت لهب النار يرتفع إلى رف المكتبة أعلى الدرج وعليه التلفزيون وأسلاك الكهرباء في كل مكان.
شعرت للحظة بشلل تفكيري وأنا أراه قريبًا جدًا من النار ينظر في ذهول. وفي لحظة، ألهمني الله أن أسحب زجاجة الماء الموجودة في المكان وأسكبها بالكامل في الدرج. وعندما رأيت النار قد انطفأت، انهرت باكية حين تخيلت ما كان سيحدث لي ولابني لولا أن تداركنا الله برحمته. ولم يكن في البيت سواي أنا وابني.
وذات مرة، كان لدى طفلي عجلة صغيرة، وكان يستطيع أن يقودها وكان عمره 4 سنوات ونصف. وكان أمام باب شقتنا ممر طويل، فأخرجته ليلعب بالعجلة فيه ذهابًا وإيابًا.
وكنت أجلس أمام الباب لمتابعته، ودق الهاتف فرجعت إلى الخلف داخل الشقة بالكاد مترين لأحضر الهاتف وعدت فلم أجد ابني ووجدت العجلة. ولأني كما سبق وقلت لكم أعاني من مشكلة حركية، علمت أن حركتي لن تساعدني حتى أجده سريعًا.
للأسف كنت أنا ومؤمن أيضًا بمفردنا. فطرقت باب جارتي أبكي وأكاد لا أرتب كلماتي. ففهمت بصعوبة أن ابني خرج إلى الطريق بمفرده، فهرولت بثياب البيت لتجده يمشي بمفرده في شارع جانبي بعد البيت مباشرة.
عادت به إليّ. كنت أشعر بقلبي في الدقائق التي غابت فيها عني حتى عادت إليّ به، أشعر أن قلبي يكاد يتوقف وأني على وشك الإغماء. لكن تشبثت بالوعي حتى أطمئن عليه، وحين عاد أذكر أني ظللت أبكي لثلاثة أيام كلما تخيلت أني كنت قد أفقده إلى الأبد ولا أراه ثانية.
ومشكلة مؤمن أنه مغرم بالكبريت. فوجئت في رمضان منذ حوالي ثلاثة أعوام أنه دخل بعد الإفطار خلسة وأنا أصلي وأحرق المفارش البلاستيكية في المطبخ من جميع جهاتها، وحتى إحدى فوط التنظيف أشعل بها النار ورآها تشتعل في موضعها وهو مذعور.
وأراد الله أن أكون لحظتها ذاهبة إلى المطبخ بعدما فرغت من الصلاة، فحملت الفوطة بالماسك المعدني وألقيتها في حوض الماء وفتحت الصنبور عليها.
دائمًا تحدث الكارثة ولطف الله عز وجل يسبقها، رغم أني كنت أظن أني شديدة الحرص. لكن ذلك لا يمنع أن تقع أخطاء سواء مني أو من الغير، فقد سقط سقطة مروعة في أول مركز متخصص يذهب إليه أدت إلى جرح ذقنه وخياطتها جراحيًا. لكن خرجنا بسلام من كل ذلك.
لمحات من الفكاهة وتطور التواصل
أما عن مواقف طريفة لابني، فكثيرًا ما أخبرني أبوه أنه حين يثور في الطريق ويصرخ، يظنه المارة مخطوفًا، وأنه ليس بأبيه، خاصة أن ابني يشبهني كثيرًا وليس يشبه أبيه. وكثيرًا كنت أضحك وأخبره أنه إذا وصل إلى القسم سأخرجه بمجرد ما يروا الشبه الشديد بيني وبين ابني. ولم تكن هناك طرائف لابني إلا في الفترة الأخيرة، لأنه كان لا يتفاعل معنا أبدًا ولا يتجاوب أحيانًا كثيرة لمحاولاتنا مداعبته أو جره للبقاء معنا.
لكن مؤخرًا بدأ يبادر أحيانًا بالمداعبة. كان يأخذ شيئًا يخصني وينظر إلي حتى يتأكد أني أراه ثم يضحك ويجري مبتعدًا وما يخصني معه حتى يستثيرني، فأذهب خلفه في مشهد تمثيلي كوميدي. حيث يحاول إبعاد ما أخذه عني أو إخفاءه وأحاول الوصول إليه وأطيل في الأمر قدر ما أستطيع لأستمتع بضحكاته أطول وقت ممكن.
وأصبح هناك تواصل محبب بيننا. أرجو أن يستطيعه بعد ذلك حتى ولو مع بعض الآخرين.
نظرة إلى المستقبل: إيمان ويقين بقدرات طفلي
أردت فقط من هذه المواقف أن أوضح أن الرحلة، خاصة في سنواتها الأولى، لم تكن أبدًا هينة بل كانت في غاية المشقة. لكن حاولوا ألا تجعلوها مستحيلة، تصبروا وتشجعوا وادفعوا أنفسكم دفعًا إلى الأمام إذا ركنتم أنفسكم إلى الخمول. واجعلوا أملًا حلوًا بأن يكون الابن الحبيب أو الابنة الغالية أقرب ما يكونوا للطفل الطبيعي.
اجعلوا هذا الأمل قائدكم ومحفزكم دائمًا. حتى تقدموا دائمًا لأولادكم كل ما يفيدهم. كنت دائمًا أداوم في صلاتي على دعاء واحد: "اللهم ألهمني كل أمر فيه صالح ابني وجنبني كل أمر فيه ضر ابني، اللهم آمين".
الوضع الآن: إيجابيات وتحديات مستمرة
في آخر جزء من رحلتي مع مؤمن - ولا زال الطريق مستمرًا حتى نصل بإذن الله إلى أقصى ما نستطيع الوصول إليه - أحب أن أوضح الوضع الآن عامل إزاي، بعدما تجاوز عمره 10 سنوات بكل إيجابياته وسلبياته. وأول شيء إيجابي أحب أن أتكلم عنه هو محبة ابني للقرآن الكريم، تلاوة مسموعة وقراءة.
الحكاية بدأت من سنين، كنت إذا انشغلت عنه بأي عمل في المنزل أتركه مع تلاوات قرآنية. ثم لاحظت تعلقه الزائد بتلاوة القرآن، فأصبحت أعطيه فترات يومية ممتدة أكثر من التلاوة. ففوجئت بعد ذلك بذهابه إلى مصحف جدته ويبدأ يفتحه ويقرأ ويتصفحه.
وبعد شهور اكتشفت أنه قادر على القراءة فيه بمفرده بصعوبة وبعض الأخطاء طبعًا، ومع الوقت أصبح يصحح لنفسه أخطائه حين يستمع إلى التلاوة.
وكان قبل ذلك قد تعلم بالطبع القراءة والكتابة، لكن قراءة القرآن عجلت في تحسن قراءته وكتابته أيضًا. ثم اكتشفت أنه أصبح قادرًا على حفظ بعض السور وبعض أجزاء من سور كبيرة. ثم فوجئت بعد نحو عام ونصف من ملازمته للقرآن أنه إذا استمع لأي آية يخبرني في أي سورة هي.
وأعدت التجربة على كل سور القرآن الكريم تقريبًا فأجابني، وأعتقد بيقين أن ملازمة طفلي للقرآن هي التي أدت لظهور قدراته في مختلف الجوانب الأخرى.
أما الجانب الدراسي، فنحن في اللغة العربية ندرس منهج الصف الثالث رغم أن طفلي مسجل قانونًا في الصف الخامس، وفي اللغة الإنجليزية يدرس منهج الصف الثاني وكذلك الرياضيات. هو حقًا متأخر أكاديميًا.
لكن هناك جوانب أخرى تثبت لي أن عقله يعمل بشكل سليم، مثل أنه أصبح يفهم ما أطلبه منه فيساعدني في البيت ويحضر ما أريد. وأنه أصبح من الممكن أن نعقد اتفاقات بمقتضاها ينتظر حتى أحقق له طلبًا يريده بعد أن نفعل كذا، أو يأتي فلان فينتظر ويذكرني حين يأتي الوقت ولو بكلمة واثنتين عن الموضوع.
أصبح يعيد أشياءه التي يلعب بها إلى موضعها كل ليلة قبل النوم. ينام بشكل طبيعي، يتقبل طقوس النظافة بنفس طيبة ويسعد بها. يغسل وجهه وأسنانه بمفرده، يبدل ثيابه بمفرده مع القليل جدًا من المساعدة مني.
يحافظ على نظافة وترتيب المكان الذي نجلس فيه. عمومًا، أصبح مع كل يوم يقترب أكثر من نمط الطفل الطبيعي، ذلك أني منذ سنوات مضت توقفت عن معاملته كطفل ناقص، وأصبحت أمارس معه الحياة باعتباره طفلًا طبيعيًا في حديثي إليه وتوجيهاتي له وحتى القواعد والعقاب أخضعه لقواعد ككل الأطفال وأعاقبه إذا أخطأ عن عمد بأساليب تناسبه طبعًا.
أما عن ما تبقى من نقاط سلبية، فهي مرتبطة بفترة الفراغ مع وجود كورونا، مثل كثرة الحركة حال عدم وجود ما يشغله. إصداره أصواتًا طوال الوقت إن لم تكن تلاوات قرآنية أو الأذان، فبعض الألحان التي سمعها فحفظها بغير كلمات أو حتى أصوات عالية بغير معنى أو سبب.
أحاول حينها أن أشغله أو أغني له أو معه. لا يزال بسبب قلة خروجه من المنزل غير قادر على التعامل السليم مع البيئة خارج المنزل.
فى العامين السابقين حقق مؤمن قفزات كبيره للامام حصد اولى ميدالياته فى السباحة؛ حيث حصل على الفضه ٨٠٠ متر حره فى مسابقة كاس مصر للسباحه والبرونز ٤٠٠ متر حره فى مسابقة كاس مصر للسباحة، وحصل على الذهب ١٠٠ متر حره فى المسابقة الدولية المقامة فى نادى هليوبوليس والبرونز ٥٠ متر حره فى المسابقة الدولية المقامة فى نادى هليوبوليس، وفاز فى أكثر من مسابقة فن تشكيلي كان اخرها فوزه بمركز متميز فى المهرجان الابداعى السنوى للطفولة.
كما تطور مستواه فى الفن التشكيلى بشكل لافت فاصبح ضيفا فى الكثير من البرامج والقنوات الفضائية والمصرية.
أرجو أن أكون قد أفدتكم وأن أكون قد أوصلت رسالتي لكم: لا تظنون أبدًا أن أولادنا لا يستطيعون الفهم. بفضل الله واليقين والجهد، سيستطيعون الكثير.
وأسأل الله لكم جميعًا الثبات والتوفيق والسعادة.
مدام سونيا أحمد
خاتمة:
تعد هذه القصة تتويجًا مؤثرًا لرحلة الأم الملهمة، فهي لا تلخص فقط التحديات والإنجازات، بل تترك للقارئ رسالة قوية من الأمل والإصرار.
استخدام عبارة "لا تظنوا أبدًا أن أولادنا لا يستطيعون الفهم" يضع نقطة محورية في المقال، مؤكدًا على الذكاء الخفي والقدرات الكامنة لأطفال التوحد.
تفاؤل الأم بالمستقبل، ورؤيتها لابنها كعون لها، يضفي بُعدًا إنسانيًا عميقًا. كما أن دعوتها النهائية إلى الصبر والمثابرة والإيمان هي جوهر الرسالة التي يريد المقال إيصالها لكل من يمر بتجربة مماثلة، مؤكدة أن الحب وحده يمكن أن يصنع المعجزات.