خطر الأتوموكس والسيكودال على أطفالنا
أخر تحديث 16 يونيو 2025
"لو سمحت يا دكتور، ابني طلبوا منه مهدئ للحضانة عشان مش بينتبه ليهم ومش مركز. مع العلم بياخد أتومكس 40 وسيكودال. تنصحني بإيه؟!"
هذا السؤال، الذي ورد إلى الأستاذ الدكتور إيهاب رجاء، أستاذ الوراثة الإكلينيكية واستشاري المخ والأعصاب للأطفال بالمركز القومي للبحوث، يكشف عن مأساة حقيقية يعيشها العديد من أطفالنا الأبرياء، ويسلط الضوء على ممارسات طبية تحتاج إلى وقفة جادة ومراجعة للضمير. فما كان جواب الدكتور إيهاب إلا صرخة ألم وغضب من تفشي ظاهرة وصف الأدوية النفسية للأطفال دون دراسة وافية لأضرارها.
السيكودال والأتوموكس: مزيج خطير وآثاره المدمرة على انتباه وتركيز الطفل
يرد الدكتور إيهاب محذراً وبكل وضوح: "أرجو أن تنتبه بعناية شديدة إلى أن السيكودال هذا (ريسبيردون) مضاد الفصام والجنون! هو السبب الرئيس لعدم الانتباه والتركيز، وفي أغلب الحالات ينقلب إلى الضد، ويتسبب في زيادة العصبية والعنف."
صدمة كبيرة تلك التي يكشفها الدكتور إيهاب. فكيف يمكن لدواء مخصص لحالات الفصام والجنون أن يوصف لطفل لمجرد "عدم الانتباه" في الحضانة؟ الأخطر من ذلك هو التأكيد على أن هذا الدواء، بدلاً من حل المشكلة، هو من يتسبب في تدهور الانتباه والتركيز، بل ويؤدي إلى نتائج عكسية مثل زيادة العصبية والعنف.
ويستكمل الدكتور إيهاب تحذيره من التفاعلات الضارة: "بالرغم من أن عقار أتوموكستين (أتوموكس) يستخدم لتحسين التركيز والانتباه لدى المصابين باضطراب فرط الحركة وقصور الانتباه، إلا أن المزج بين هذين العقارين لطفل واحد قد يتسبب في أعراض جانبية ضارة ومزعجة للغاية!"
إن وصف دواء مثل الأتوموكس، الذي قد يكون مفيداً في حالات معينة من اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه (ADHD)، بالتزامن مع السيكودال، يخلق خليطاً كيميائياً قد يؤدي إلى كارثة صحية. هذه الممارسات لا تعكس فهماً عميقاً لآليات عمل الأدوية أو لخصوصية جسد الطفل النامي.
سلسلة الآثار الجانبية المدمرة: من السمنة إلى فقر الدم
يستعرض الدكتور إيهاب رجاء أمثلة حية على الآثار الجانبية المدمرة لهذا المزيج الدوائي:
"أبسط مثال: الريسبيردون يتسبب في شراهة هيستيرية لا حدود لها ولا قيود عليها، مما يؤدي إلى السمنة المفرطة ثم السمنة المرضية وتدهن الكبد!"
"بينما يؤدي عقار أتوموكستين إلى تهيج واحتقان ببطانة المعدة يؤدي إلى شعور مؤلم بالغثيان وألم بالبطن، وربما لا ينتهي هذا الإحساس بالألم إلا بالقيء، الذي يتسبب بدوره في الخوف من تناول الطعام تجنباً للقيء، ثم انتهاء بفقدان الشهية تماماً وفقدان الوزن، ثم يتبع ذلك أنيميا غذائية السبب والمنشأ فتؤدي بدورها إلى فقدان الانتباه والتركيز والذاكرة العاملة!"
هذه الدائرة المفرغة من الأعراض الجانبية كارثية بكل المقاييس. فالدواء الذي يفترض أن يحسن الانتباه يصبح سبباً في تفاقم المشكلة عبر آثار جانبية جسدية ونفسية متعددة. يبدأ الأمر بشراهة وسمنة مفرطة، ثم يتحول إلى غثيان وقيء وفقدان للشهية، لينتهي بفقر الدم الذي يؤدي في النهاية إلى ما نحاول علاجه أساساً: فقدان الانتباه والتركيز والذاكرة العاملة.
صرخة الضمير: متى يتوقف وصف السموم للأطفال؟
"هل يفكر السادة الأطباء الذي يصفون هذه السموم - للأطفال الملائكة الأبرياء - بشهوة، وشراهة مرضية منقطعة النظير حتى يسكتوا شكاوى الأهل - التي لا تنقطع، ولا تهدأ أبداً - من سلوكيات الملائكة الأبرياء؟!"
هذا التساؤل المباشر والجارح يكشف عن جوهر المشكلة: هل أصبحت سهولة وصف الدواء، خاصة في ظل ضغوط العمل وكثرة شكاوى الأهل، بديلاً عن البحث عن التشخيص الدقيق والحلول المستدامة؟ إن وصف الأدوية بهذه "الشهوة والشراهة المرضية" يثير تساؤلات جدية حول أخلاقيات الممارسة الطبية ومدى الوعي بأضرار الأدوية على الأطفال، خاصة تلك التي تؤثر على نموهم العصبي والمعرفي.
"ارفعوا أياديكم الملوثة بأقلام تُكتب بها هذه السموم الناقعة الفتاكة!"
هذه ليست مجرد كلمات، بل هي نداءٌ عاجلٌ ومُلِحٌ لكل طبيب يصف هذه الأدوية. إنها دعوة للتوقف عن هذه الممارسات التي قد تكون مدمرة لحياة الأطفال. إن "الأيادي الملوثة" و"الأقلام الفتاكة" تعبير رمزي عن المسؤولية الكبرى التي تقع على عاتق الأطباء، وعن الخطر الذي تشكله هذه الوصفات غير المدروسة على صحة "الملائكة الأبرياء".
"يا قوم أليس منكم رجل رشيد؟!"
هذا النداء الأخير هو صرخة إلى كل ذي ضمير حي. إنه دعوة إلى الحكمة والتعقل والمسؤولية. يجب أن يتواجد "رجل رشيد" – طبيب رشيد – يضع مصلحة الطفل فوق أي اعتبار، ويبحث عن الأسباب الحقيقية للمشكلات السلوكية أو النمائية، ويقدم حلولاً آمنة وفعالة، بعيداً عن الحلول السريعة التي قد تترك آثاراً لا تمحى.
نصائح للأهل والطبيب: نحو رعاية آمنة لأطفالنا
إن رسالة الأستاذ الدكتور إيهاب رجاء لا تهدف فقط للنقد، بل هي دعوة لإعادة التفكير في منهجيات التعامل مع سلوكيات الأطفال ومشاكل التركيز والانتباه.
نصائح للأهل:
لا تستعجلوا العلاج الدوائي: قبل الموافقة على أي دواء، اسألوا الطبيب عن التشخيص الدقيق، وهل هناك بدائل غير دوائية.
ابحثوا عن السبب: غالبًا ما تكون المشكلات السلوكية أو المتعلقة بالانتباه لها أسباب كامنة (نقص فيتامينات، حساسية غذائية، مشاكل بيئية، صعوبات تعلم).
اطلبوا رأياً ثانياً: لا تترددوا في استشارة أكثر من استشاري مخ وأعصاب أطفال أو متخصص في التطور السلوكي والنفسي للأطفال.
اعرفوا الدواء جيداً: اسألوا عن الآثار الجانبية، والمدة المتوقعة للعلاج، وهل يمكن الاستغناء عنه لاحقاً.
التركيز على الدعم الشامل: العديد من مشاكل التركيز والسلوك تستفيد من برامج الدعم النفسي، تعديل السلوك، العلاج الوظيفي، وتغيير النمط الغذائي.
نصائح للأطباء:
التشخيص الدقيق أولاً: يجب أن يعتمد وصف الدواء على تشخيص دقيق ومفصل، وليس مجرد شكوى من الأهل أو المعلمين.
فكروا في البدائل غير الدوائية: العلاج السلوكي، الدعم النفسي، وتقديم الإرشادات للأهل والمدرسة يجب أن تكون الخيارات الأولى في العديد من الحالات.
الحد الأدنى من التدخل: إذا كان الدواء ضرورياً، ابدأوا بالجرعة الأقل فعالية وراقبوا الآثار الجانبية بدقة.
التعليم المستمر: تابعوا أحدث الأبحاث والدراسات حول أدوية الأطفال وآثارها طويلة المدى.
التواصل الفعال مع الأهل: اشرحوا لهم كل الخيارات المتاحة، والمخاطر والفوائد، وأشركوهم في اتخاذ القرار.
إن هدفنا المشترك هو حماية صحة الطفل وضمان نموهم الطبيعي. لنجعل من هذا المقال نقطة انطلاق لوعي أكبر وممارسات طبية أكثر مسؤولية وأماناً لأطفالنا.