رثاء
أمي الروحية ، وأستاذتي
رائدة الوراثة البشرية
حتى
هذه اللحظة غير قادر على جمع شمل شتات أفكاري الجريحة الحزينة لأعبر عن حقيقة
مشاعري تجاه الفقد العظيم لأمي الثانية ، معلمتي ، وأستاذتي ، ومعلمة الأجيال عبر
عمرها الذي إمتد بالعطاء اللا محدود لكل من إمتن الله عليه أن يتعلم تحت مظلتها
الواسعة الفضفاضة لكل من طاف ينهل من نهر علمها المتدفق حتى لحظاتها الأخيرة .
غابت للمرة الأخيرة أضواء شمس شموس المعرفة بعلم
الوراثة ذاك المحيط اللانهائي الذي يفيض من أسرار علم الله اللا نهائي .
غابت
شمسك يا أمي الثانية الحبيبة بعد رحيل أمي الأولى منذ مايقرب من أربعة سنوات مضت .
تتداعى
علي ذكريات العمر منذ أن عرفت الأستاذة الدكتورة سامية علي تمتامي أستاذ ، ورئيس
قسم الوراثة البشرية بالمركز القومي للبحوث حين تقدمت بطلبي لها للإلتحاق بذلك
القسم الذي لم يكن معروفا لدي حينما كنت طبيبا مكلفا بأحد مراكز رعاية الأمومة ،
والطفولة بوزارة الصحة .
وحينما
إلتقيت بها ورحبت بي سألتني هل لديك معلومات عن الوراثة فأجبتها على الفور بثقة
نعم أعرف متلازمة " داون " ، فضحكت من سذاجتي ، وقالت بس كده ؟! الوراثة
علم كبير جدا ولايقتصر على هذه المتلازمة فقط !
ومن
يومها بدأت أعرف ، وأتعلم منها مباديئ علم الوراثة ، وأفرعه العديدة المتنوعة ،
وسأظل حتى الممات أدين لها بكل ماتعلمته منها مباشرة ، وغير مباشر بعد أن أرست في
عقلي ، وشخصيتي بداية الطريق على مسار البحث العلمي حتى وصلت إلى الذروة بالحصول
على اللقب العلمي " أستاذ الوراثة الإكلينيكية بالمركز القومي للبحوث " .
والذي كان الخطوة الأخيرة للوصول إلى رئاسة قسم
بحوث الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة .
أمي
الحبيبة الراحلة الغالية لن أستطيع مهما تذكرت ، وكتبت عن مآثرك ، وأفعالك بعد
الله أن أفي بحقك ، ومعروفك ، وجميلك بعد عطاء الله لي بأن جعلني واحدا من عشرات
إن لم يكن المئات من تلاميذك ، وأبنائك المخلصين المحبين إلى يوم اللقاء العظيم .
إن القلب ليحزن ، وإن العين لتدمع ، وإنا لفراقك
لمحزونون يا أمي …أم الجميع الأستاذة الدكتورة سامية علي تمتامي ، وإنا لله ، وإنا
إليه راجعون …اللهم أجرنا في مصيبتنا جزاء الصابرين المحتسبين ، ولا حول ولا قوة
إلا بالله العلي العظيم فله ما أعطى ، وله ما أخذ .