القراءة
بالأنامل ، وحماية الطفل الكفيف من التوحد
شاهدت
يوماً رجلاً كفيفاً في إحدى زياراتي لمكتب وكيل كلية العلاج الطبيعي لشئون خدمة المجتمع
آنذاك - الأستاذ دكتور عادل نصير - والذي صار
عميداً للكلية فيما بعد ، وحينما تعرفت على ذلك الضيف الكفيف كان بالصدفة في حوزتي
نسخة من مجلة مكتوبة بطريقة برايل ، ولا تسعفني الذاكرة حالياً من الذي أهداها إلي
، ربما حينما كنت عضواً رئيساً في اللجنة الطبية بأول مجلس قومي لشئون الإعاقة ؟!
ولكني وجدتها فرصة سانحة لكي آخذ رأي الضيف في تلك
التجربة الفريدة من نوعها ، وحينما إلتقطها الضيف من يدي إنتابتني الدهشة الشديدة
! إذ وجدته يقرأ بأنامله بطلاقة ، وسرعة عجيبة كل كلمة مكتوبة في المجلة ، ورءوس جميع
المواضيع ، والقصص المكتوبة، ولأنني كنت قد
قرأت النسخة المطبوعة العادية المناظرة لنسخة برايل فوجدت أن القاريئ الكفيف لم تفته
كلمة واحده .
وبينما تراقبه عيناي ، وهو مستمر في القراءة أضاءت
مخيلتي في نفس اللحظة الآيات الإفتتاحية لسورة " العلق " بِسْم الله الرحمن
الرحيم ، إقرأ باسم ربك الذي خلق ، خلق الإنسان من علق ، إقرأ وربك الأكرم ، الذي علم
بالقلم ، علم الإنسان مالم يعلم " .
سبحان الله ، سبحان الخلاق العظيم الذي علم الإنسان
مالم يعلم فجعل في أنامل الكفيف عيوناً قارئة مبصرة تقرأ حروف برايل البارزة كما تقرأ
العين المبصرة الحروف المطبوعة ! إنها طلاقة القدرة الإلهية، والعدل المعجز - باللطف
- بين خلقه شريطة حسن إتخاذ الأسباب، ومنها تحصيل العلم بالقراءة ، والكتابة . تداعت
هذه الذكريات الكامنة في الذاكرة البعيدة منذ عام 2012 حينما أهداني الدكتور وليد نادي
الذي يشغل مسئول الخطط والبرامج بالإدارة العامة للتمكين الثقافى لذوى الاحتياجات
الخاصة بوزارة الثقافة مجلة قطر الندى للأطفال المكفوفين والتى يشرف على تحريرها .
وبما أنني أزعم بأني من المهتمين جدا بقضية الأطفال
ذوي التوحد ، وجدتني أفكر، وأتسائل كيف يمكننا تعليم القراءة باستخدام طريقة برايل
للأطفال التى اقتضت حكمة الخالق أن يفقدوا نعمة البصر بالعين ؟! لكن العدل الرحيم منحهم
نعمة البصيرة ، ونعمة القراءة بالأنامل . حينما تمتد أيادي الرحمة البشرية - بتوفيق
من الله - وتبدأ في تعليم هذه الفئة - من الملائكة على الأرض - مبكرا كلما أمكن ، وتيسر
كلما ضاقت الفرصة على ذلك العدو اللدود المتربص " التوحد الحسي الناجم من فقدان
حاسة البصر مبكرا " من أن يتسلل بخبثه ، وخسته الدنيئة إلى أدمغة هؤلاء الملائكة
الأبرياء . وهكذا وجدتني أهتف بنبض قلبي " لو كان التوحد رجلاً لفقأت عينه فلايبصر
إلى من يهاجم ، ويدمر ، ويضيع !