مرثية زميلة عزيزة

 


مرثية زميلة عزيزة

رحل منذ يومين نجم من نجوم السماء ، وبرحيله إنطفأ شعاع كان يضيئ - ظلمة الليل الحالك الموحش في الظلام -  بنور الإخلاص ، والتفاني ، والوفاء ، والعطاء بلا مقابل .

 إنها العالمة الطبيبة الراحلة الأستاذة د.سميرة إسماعيل أستاذة علم الوراثة الإكلينيكية البشرية بقسم الوراثة البشرية بشعبة أبحاث الوراثة والجينوم بالمركز القومي للبحوث بالدقي ذاك الصرح الذي أنجب خيرة علماء مصر المتميزين في شتي المجالات ، والتخصصات العلمية .

الراحلة الجليلة ، وأنا نفخر بأننا ننتمي إلى الجيل الأول من تلامذة العالمة الكبيرة أستاذة كل الأجيال ، وأم علم الوراثة البشرية في مصر ، والعالم العربي الأستاذة د. سامية علي تمتامي أول من حصل على درجة دكتوراه الفلسفة في الوراثة البشرية من جامعة جون هوبكينز بالولايات المتحدة الأمريكية ثم عادت إلى مصر بالحب ، والوفاء للوطن لنشر هذا العلم رفيع القدر عال المنزلة بين أفرع الطب المختلفة " الوراثة البشرية " ، ثم قامت بوضع اللبنة الأولى للتخصصات المختلفة تحت مظلة الوراثة ، ومنها فرع الوراثة الإكلينيكية الذي أنتمي إليه ، والراحلة الكريمة .

لم تسع راحلتنا الكريمة يوما ما إلى فتح عيادة خاصة ، ولا أي ظهور إعلامي طلبا للشهرة ، والظهور . وتميزت الزميلة الفقيدة العزيزة بمجموعة كبيرة من الأبحاث العلمية الراقية المنشورة بالدوريات العالمية المُحَكَّمَةِ من قبل محكمين دوليين ، ولها مردود إيجابي من الوجهة التطبيقية ، وشاركت معي في فريق العمل بالمشروع القومي للكشف عن التوحد على مستوي ثمان محافظات ممثلة لمصر .

وكانت لها عيادة يوم الخميس بمركز التميز للبحوث الطبية بالمركز القومي للبحوث ، وكانت رحمها الله تنتهج نفس النهج الذي ألزمت به نفسي منذ سنوات بعيدة بعدم كتابة المهدئات اللعينة المشئومة مضادات الشيزوفيرينيا والجنون ، وكانت تعتمد على الإرشاد الأسري للأمهات بالتزام الحمية الغذائية .

 ومؤخرا اقتنعت بجدوى فحص المعادن الثقيلة بعد ماتبين لها خطورة هذا الأمر ، وانتشاره بين العديد ، والعديد من الحالات التي لا حصر لها ، وكنا نتشاور قبل أن نتبادل تحيات الوداع في مستجدات الأبحاث، وخطوات المشروع الذي لم يشأ الله سبحانه أن تكون من المحتفلين ، والمكرمين باختتامه ، وكأن لسان حالها يقول لست اليوم بحاجة إلى أي تكريم في الدنيا ، وللأسف والحزن العميق الشديد لم أتمكن من الرد تليفونيا على آخر محاولة للتواصل معي ، ورحلت في هدوء ، صمت ، وسكون بدون كلمة وداع كما تعودنا .

تميزت الفقيدة العزيزة بدماثة الخلق ، والتواضع الشديد ، وعدم التكبر بعلمها على تلميذاتها بل كانت هي الأخرى أما لهن .

إن العين لتدمع ، وإن القلب ليحزن ، وإنا لفراقك لمحزونون يا عبدة الله سميرة إبنة إسماعيل رحمك الله، وأسكنك فسيح جناته في الدرجات العلى مع النبيين ، والشهداء ، والصديقين ، وحسن أولئك رفيقا ، وإنا لله ، وإنا إليه راجعون .

google-playkhamsatmostaqltradent